صــبــــر..حكـــايـــات جبــــل يُقارب النجوم
ما إن تذكر الحالمة تعز إلا ويذكر بجانبها الجبل الذي تتكىء عليه.. انه جبل صبر وماأدراك ماجبل صبر! جبل يحتضن الحالمة بدفئه وحبه لها كيف لا! وهما ثنائيان لايمكن بأي حال من الأحوال أن ينفصل أحدهما عن الآخر.. الزائر إلى جبل صبر يندهش للوهلة الأولى منذ صعوده عبر الطريق الاسفلتي النموذجي الرائع الذي لاتنقصه الإنارة الكبيرة ولا الحواجز والشواخص المرورية وتزينه الخضرة على جانبيه.
ويخيل للزائر أن هذا الطريق سجادة سوداء مذهبة لاتتسخ أبداً - فرشت وبعناية فائقة لاستقبال السياح والزائرين وكلما ازداد الزائر صعوداً ازداد شوقاً وتلهفاً لمعرفة الجديد والغريب لكشف أسرار هذا الجبل الشامخ الأشم.
ثاني جبال اليمن
يعتبر جبل صبر ثاني أكبر الجبال في اليمن السعيد بعد جبل النبي شعيب إذ يبلغ ارتفاعه ثلاثة آلاف وسبعين متراً عن سطح البحر ويعد الجبل مزاراً سياحياً وتاريخياً هاماً وتبلغ درجة حرارته صيفاً 61 درجة مئوية فيما تتراوح درجة الحرارة فيه بفصل الشتاء مابين 1-9 درجات وقد ذكر المؤرخون ان أهمية الجبل في كونه ثاني جبال اليمن لاتكمن في الارتفاع فقط ولكن أيضاً في تواجد المواقع التاريخية والأثرية التي يمتاز بها كما أنه يعد أكبر جبال اليمن من الناحية الزراعية وانتاج المحاصيل الزراعية المختلفة ولكن للاسف تراجع انتاجه للمحاصيل الزراعية ليحل محلها زراعة القات الذي طغى على كثير من المدرجات والأودية الزراعية في مختلف نواحي جبل صبر.
منيف تعز ومنتزه زايد
عند صعودك إلى جبل صبر تتجسد أمامك فعلاً المقولة التي يطلقها البعض على جبل صبر في كونه منيف تعز فرغم سلاسة الطريق الاسفلتية المفروشة إلا ان عظمة الجبل وارتفاعه ورؤية المدينة - تعز - أسفل منه بصورة جمالية يجعلك تشعر حقيقة انه جبل المنيف الاشم أو كما يسمونه منيف تعز.
عند الصعود إلى جبل صبر ولياته المتتالية تلاحظ تناثر الناس جماعات وأفراداً على سفوح الجبل ويلاحظ المرء المنتزهات الصغيرة التي تستوعب الزائرين والسياح والمقاهي المتنقلة الموجودة على طول الطريق المؤدية إلى رأس جبل صبر أو «منيف تعز».
ولكنها متنزهات صغيرة عدا ذلك المنتزه الضخم المسمى بـ«منتزه الشيخ زايد» نسبة إلى الشيخ زايد آل نهيان - رئيس دولة الامارات العربية المتحدة رحمه الله.
جبل صبر وثلاث ليات
مايميز الطريق الاسفلتية المفروشة كالسجاد - كما أسلفنا هو تعدد الليات أو المنعطفات أو كما يطلق عليها البعض - الأروان - والانحناءات التي تتقارب بين بعضها البعض وبمناسبة ذكر كلمة الليات هناك مثل شعبي قديم مازال يتناقله أبناء جبل صبر حيث يقولون فيه : «جبل صبر ملوي ثلاث ليات.. لية بنات وليتين غصون قات» وهذا المثل الشعبي يدلل على أهمية أغصان القات التي يحبها ويتغزل بها القاطنون ويعتبرونها بمكانة البنات وربما أزيد قليلاً.
مشاقر وقات صبري
وعند نزول المرء للترجل أو الاستراحة في إحدى الأماكن على سفوح جبل صبر والتأمل في أهالي الجبل ينبهر بتلك المناظر الجميلة التي تتزين بها المرأة الصبرية ذات الزي المتميز في لوحة فلكلورية بالغة الجمال ومايزيد هذه اللوحة الفاتنة جمالاً ورائحة زكية ذلك المشقر الملون الذي تعبق منه الروائح العطرة التي تنافس أغلى وأجمل العطور الاصطناعية.. إنه جمال الطبيعة.
ولايمكنك ان تستمتع بالزيارة الاستمتاع الحقيقي مالم تمضغ القات الصبري الذي تلاحظ غصونه تتدلى يميناً وشمالاً على المدرجات الزراعية.
ملك الجبال الجنوبية
وعلاوة على أهمية جبل صبر كونه جبل صبر جرانيتياً من العصر الثلاثي صخوره غنية جداً بالمكثفات بكافة أنواعها وفيها معدن «الهاليت» والفلزات المعدنية إضافة إلى الصخور البركانية ومنها كوارتز والموتزونيت علاوة على تلك الأهمية الجغرافية فإن له أهمية تاريخية كبيرة فقد ذكر لسان اليمن «الهمداني» في كتابه «الصفة» بأنه حصن منيع وهو من الجبال المسنمة من المعافر ويسكنه الحواشب والسكاسك وفيه آبار وهو ملك الجبال الجنوبية.
كما يصفه «ابن المجاور» انه جبل مدور كثير الخيرات والفواكه والاخشاب وفيه العديد من القرى والحصون وله أربعة مسالك : الخشبة وبرداد وعتدان وجبأ.
أهل الكهف.. ومواقع أثرية هامة
وتشير المصادر التاريخية إلى أن من أهم المعالم الاثرية والسياحية في مديرية صبر الموادم هي: ـ مسجد أهل الكهف يرتبط اسم المسجد بواقعة أهل الكهف التي وردت في القرآن الكريم، ويذكره «ابن المجاور» في كتابه «صفة بلاد اليمن والحجاز» ويشير أن في مدخل المسجد عين تسمى «عين الكوثر» وهو موضع فاضل يزار سنوياً في «اليوم العاشر من شهر رجب»، يقع المسجد في قرية «ذمرين ـ المعقاب» في الناحية الغربية من حصن العروس، شيد فوق مرتفع صخري بأحجار كلسية طليت بالقضاض وهو عبارة عن بناء مستطيل الشكل يرتكز سقفه الخشبي على أعمدة من الخشب تزين تيجانها زخارف محفورة، ويحتل الناحية الشمالية من المسجد عدد من الأضرحة والقبور، وفي الناحية الشرقية توجد فجوة محفورة في الصخر يبدو أنها تتصل بسرداب طويل يؤدي إلى فتحة أخرى تعرف باسم «فتحة الكهف» ويقال إنها تمتد إلى مدينة ثعبات الواقعة في أسفل الجبل من الجهة الشرقية، للمسجد ثلاثة مداخل ذات عقود، وعلى يسار الداخل من الباب الجنوبي توجد بركة مبطنة بالحجارة والقضاض.
- مسجد الشعرة
يقع في الناحية الشرقية من قرية العارضة أسفل قلعة العروس، بناه الشيخ «أحمد حسين بن إبراهيم» المعروف بصاحب الشعرة، وأوقف عليه أموالاً كثيرة في قرية العارضة.
- مستوطنات أثرية في منطقة «حمام علي» توجد مستوطنات أثرية في منطقة «حمام علي» إلى الشمال من الطريق المؤدي إلى الحمام، وهي عبارة عن مستوطنات سكنية شبيهة تماماً بمواقع العصور الحجرية التي كشفت عنها أبحاث البعثة الأثرية الإيطالية في منطقة خولان الطيال.
- المقابر الصخرية في قرية المحراق: تقع في الشمال الشرقي من مدينة تعز على بعد حوالي «15كيلومترا» تتبع مديرية صبر الموادم، يعود هذا الموقع إلى عصر ماقبل الإسلام حيث تؤكد الشواهد الأثرية الظاهرة عليه مثل بقايا الأساسات والشقاقات الفخارية المتناثرة على السطح، كما عثر أحد المواطنين على تمثال كامل، ورأس تمثال من مادة الرخام، ومذبح من الحجر الكلسي وإلى الجنوب الشرقي من موقع المحراق على بعد «250متراً» تقريباً، وجد موقع أثري على تل صخري يرتفع حوالي «1600متر» عن مستوى سطح البحر، والذي احتوى على مقبرة قديمة على هضبة جملونية الشكل يبدأ انحدارها في الناحية الشرقية لقرية المحراق، ويسميها الأهالي «سقف الحيد» نحتت القبور في باطن الصخر وتتخذ الأشكال الدائرية، والبيضاوية والمستطيلة ولها فتحات خارجية تمثل مداخل لها، وتؤدي عبر ممرات إلى غرف الدفن، وفيمايلي وصف لنموذج من هذه:ـ المقابر:
- ويوجد قبر عبارة عن فتحة منقورة في الصخر مستطيلة الشكل أبعادها «100*78سم»، منحوتة بشكل متقن تؤدي الفتحة إلى ممر يليه ممر ثان يؤدي إلى غرفة الدفن، وهي مستطيلة أبعادها «550*196سم» ولهذا فإن القبر درجتان من الداخل تم نحتهما في الصخر وتنخفض الدرجة الأولى عن فتحة البوابة بحوالي «20سم» ويلاحظ أن المقبرة قد تعرضت للفتح ولايوجد بها أي مخلفات أثرية أو عضوية مصادر مياهه المعدنية تتسم بالبرودة، وذلك على عكس بقية الينابيع الأخرى، حيث تمتلك مجموعة من المواد المعدنية والعناصر الكيمائية الغنية بمادة المغنيسيوم، والصوديوم، والكربونات، ونسبة عالية من الكلورايد التي تساعد على مضاعفة عملية الإدرار وقوة اندفاع التبول مما يجعلها تساهم في إزالة الترسبات الكلسية.
ومما يزيد موضوع زيارة جبل صبر السياحية أهمية العمل على إنشاء مشروع خط هوائي «تليفريك» والذي يبدأ من فندق سوفتيل مروراً بمنطقة الحوبان وصولاً إلى قمة جبل صبر بموقع العروس والذي من شأنه أن يكون معلماً سياحياً بارزاً في محافظة تعز.. ولنا لقاء آخر لنحلم معكم بزيارة منطقة سياحية أو الحديث عن معالم سياحية تزخر بها تعز حتى لاننساها، فهي عريقة تفوح منها رائحة البن الذي كان يصدر من ميناء المخا إلى مختلف الامصار والبلدان.
قمة العروس وملامسة الضباب والنجوم
ويقع في أعلى جبل صبر مايعرف بجبل العروس أو قمة العروس وهي أعلى قمة في جبل صبر ـ بل في محافظة تعز بأكملها والمنظر من هذه القمة يعد ضرباً من الخيال ولو كان في الأصل حقيقة إلا أن الشخص الصاعد والماكث في قمة العروس شخص يعانق الضباب والسحاب نهاراً ويخيل له أنه قريب من ملامسة النجوم المتلألئة ليلاً.. ألم أقل إنه ضرب من الخيال؟!!
الفرسك والرمان
ولعل هناك أصناف زراعية عديدة تمتاز بزراعتها الطبيعة الساحرة في جبل صبر دوناً عن سواها من المناطق اليمنية أهمها البن الصبري ذو المذاق المتميز إلى جانب الرمان الصبري والأهم من كل ذلك ما اشتهرت به المناطق الزراعية في جبل صبر في زراعة الفرسك.
سياحة بكل المقاييس
في الختام أدرك أننا لم نوف جبل صبر حقه من الوصف في هذه العجالة ولن نستطيع الوصف الأمثل لروعة الزيارة وجمال السياحة عبر سفوحه الجميلة لكن إذا أراد أحدكم ـ اعزائي القراء ـ فعلاً أن يستمتع بجمال وروعة المناظر الخلابة لجبل صبر في محافظة تعز فما عليه إلا الزيارة بنفسه.. حينها سيجد سياحة بكل المقاييس.