مشرعه وحدنان تاريخ وجمال جبل صبر

مشرعه وحدنان تاريخ وحضارة جبل صبر
لجمال الطبيعة في مشرعة وحدنان ألف معنى ومعنى، ليس أولها الطبيعة الساحرة والخضرة الوارفة والوجوه المبتسمة والتنوع البيئي والحيوي المدهش.
لاتحتاج أن تكون (كولمبس) لتكتشف أنك في عالم الأساطير والأحلام الجديدة.
بل تشعر أن (نيوتن)اكتشف الجاذبية هنا لجاذبية (مشرعة وحدنان) للزائرين الذي لاتفارق روعة جبالها ووديانها المذهلة مخيلتهم.
القادم إليها عبر الطريق الملتفة حول الجبل من المدينة تشعر أن قطرات الندى تقطر كدموع عين مسرورة بعودة غائب مشتاقة لرؤيته ، وحفيف النسيم المنعش يدغدغ مشاعرك وأحاسيسك الرومانسية،
وتستقبلك مدرجات الجبل المكسوة بالخضرة كزرابيِّ مبثوثة لاستقبالك، وترى البشر والشجر والحجر كلهم يرشدونك الى وجهتك المقصودة في جبل النجوم(صبر) الذي ألهم جماله الشعراء والأدباء والعشاق .
(مشرعة وحدنان) ذات العزلتين التوأمتين رغم أنها من أصغر مديريات الجمهورية اليمنية مساحة لكن روعتها جعلتها أكثر كثافة سكانية حيث تقدر مساحتها ب(14،كيلومترمربع وسكانها يقتربون من(30)ألف نسمة يتوزعون في (21)قرية
تتوسط جبل صبر كلؤلؤة بين محاري الموادم والمسراخ ،وتطل على تعز المدينة من الجنوب الغربي كأمٍّ حانيةٍ تظلل طفلها من حرقة شمس الظهيرة ومن عوادي الغزاة.
لو زرت تعز لأول مرة ليلاً يشد انتباهك في الأعالي نجوم تتلألأ قرب القمر وفوق السحاب فتظن أن مجرة ما تقترب من كوكبنا الأرضي حتى يهمس في أذنيك أحد المارة إنها (مشرعة وحدنان)تنام هناك بين تلك النجوم المتلألئة والسحب وتعكس نوافذ البيوت أشعة الشمس من تلك القمم عندالغروب والإشراقً فتظن أنك أمام منارة الأسكندرية تهدي السفن في عرض البحر.
حينذاك تقع أسيراً منً أول نظرة في شراك (مشرعة وحدنان) لفتنة جمالها وعبق تاريخها وأصالتها.
يا لروعة مناخها الذي وهبه الله إياه! معتدل صيفاً بارد شتاءً عكس تنوع حيوي مدهش جعل الأهالي يبنون مدرجات جبلية في منحدراته تبدو كحدائق معلقة في السماء تسر الناظرين .
فترى ادهمام الخضرة ونضرتها صيفاً حيث تبدو السواقي ذات المياه الجارية في جنبات الجبل حين هطول الأمطار تبعث البهجة والسرور فتشعر أنك أمام شلالات (جبال آنجل ) وهناك تنبعث روائح زهوره الزكية و(مشاقره) العطرية وينعشك نسيم الجبل في تلك الأجواء الساحرةالتي تأخذ أوقاتاً من الاستجمام والإستشفاء المجاني.
أما في فصل الشتاء فتلتف الغيوم والضباب حول الجبل كعمامة شيخ وقور يبتسم لمقدمك،وترى الأجواء حواليك فتشعر أنك رائد فضاء هبط من (مكوكه الفضائي) في سطح القمر حيث تتشكل أشكالاً جميلة وغريبة من الغيوم والضباب وتنفث من فمك دخان كالتنانين لإنك صرت في عالم الأساطير والخيال.
هذا المناخ جعل (مشرعة وحدنان) قبلةً للعديد من الطيور المقيمة والمهاجرة في رحلتي الشتاء والصيف.
فترى طائر الحبَّاك (الصفيراء) يبني عشه في أغصان شجرة (الكُهلب) المتدلية-نوع من الطلح أو السمر-التي قد يفوق ارتفاعها خمسةعشر متراً -،وترى طائر القُمري يتنقل من حقل إلى آخر يبحث عن الحب والديدان وخشاش الأرض، في حين ترى اليمامة(الجُولبة) تقف في أعلى جذع شجرة القات العملاقة التي قد يصل إرتفاع بعضها إلى عشرة أمتار تترنم هديلاً ليترددصداه في نواحي الجبل، وطائر البلس(الأُبجي) -طائر بحجم الحمام الزاجل يميل إلى الخضرة وبطنه تميل إلى الإصفرار- تراه يطير هرباً من وقع أقدام فلاح يسير إلى حقله باكراً في طريق ملتويةً وضعيفة -كخيط عنكبوت- تمتد بين الحقول.
وهناك يبشر (الهدهد) الفلاحين بقرب نيسان حيث موسم رمي الحب في الأرض وترديد الأهازيج الشعبية (المهاجيل) فرحاً بقدوم موسم الزراعة .
وتسمع أنغام أنواعاً من البلابل المختلفة والجميلة وخاصة (البلبل العربي) ذو النظارة البيضاء(كحول العين) المقيم هنا حينمايقفز من غصن إلى غصن فوق شجرة (العَشَق).
ولوخرجت في صباح يوم مطير ترقب إشراقة الشمس من فوق ربوة صغيرة،وتحمل بين يديك إبريق شاي وتقطف نعناع بري لترتشفه وقتئذٍ ستستمتع بموسيقى طيور (الشحارير والزقازق وطيور الملك وعصافير الجبل...) بين الشجيرات والأحراش.
وتنبعث أصوات جميلة وعذبة من عصافير (الدوري والقنبر) حينما تشجع فراخها على الطيران والتحليق في السماء،
وتسمع (نقار الخشب) يعلن لك بجرس منقاره إشراقة الشمس التي تعكس ألوان الطيف من صفحات (طائر الشمس الفلسطيني) الذي يشبه الطنان يرتشف رحيق الأزهار من شجيرات(السَنَف)، وهناك طائر(خازن البندق)ذو الصدر الأحمر جاثم بجذع شجرة البرقوق يبحث عن دودة ليطعم صغاره.
ومع هذه الأصوات الجميلة تفاجأ بصوت فلاح يترنم وتنبعث من حنجرته الذهبية (مهاجيل)شعبية صباحية تسحر الأجواء حينما يحرث حقله.
وهناك تتوزع -فوق أشجار الكافور والعرعر والقات والطلح والنشم والسدر... وبعض الأشجار المعمرة - أنواعاً من الطيور الجارحة كالصقور والعقاب والباز والقطا...التي ترقب فرائسها وتصرخ بأصواتها الذي يملأ المكان رعباً.
ولو رفعت بصرك إلى السماء لرأيت الغربان تتجاذب مع (الحدأة ) بقايا طعام كأبٍ يداعب طفله ويخطف منه قطعة الحلوى ليختبر قناعته،ويبسط النسر العملاق جناحيه ليسدَّ الأفق ويغطي عنك أشعة الشمس حينما تستلقي لتأخذ حمام شمس دافئة.
في حين يكون طائر( البوم )آخذاً استراحته في وكر الجبل ،بعد ذلك يمكنك أن تخرج لنزهة صيد طائر (الحجل البري) الذي يسميه الأهالي (العقاب) لتأكل منه لحماً طريا بعد يوم ذي مرح وسعادة.
ولاننسى أسراباً من الحمام الزاجل الجبلية(العيل) تسفح في سمانا ذهاباً وإيابا.
فضلاً عن عصافير( الشوك والعصافير
الصحراوية والجبلية)وغيرها من الطيور التي تحتاج الى تصنيف ودراسة.
ياه لروعة تلك القرود والثعالب التي تخرج قبيل الشروق أو الغروب بين الحقول والآكام ..!
لكنَّ القرود تقوم بالإغارة على مزارع الفلاحين في أوقات مختلفة من أجل الحصول على الطعام من الحبوب والبذور والبراعم والسدر وبعض الفاكهة،فيلجأ بعض الفلاحين لوضع دُمى بحجم البشر كفزاعات لإرعاب تلك القرود لكنَّ القرود تقهقه من هذه الحيل التي لاتنطلي عليها إلا نادراً.
بينما ترى الأرانب البرية (الوبر)تختفي قليلاً قليلا نتيجة العمران والصيد الجائر لها.
لكن حيوان(النمس) الرمادي(العكش) ينشط ليلاً يبحث عن بقايا طعام وياحبذا لو يجد دجاجة غفل عنها أهلها أو غفلت عنها الثعالب سيعمل منها وليمةً ويرقص رقصاً صاخبا حتى مطلع الفجر حينما ينبههُ صياح الديك الحزين على عروسته الضائعة فيختبأ من عيون البشر ليلقي بتهمة قتل الدجاجة على الثعالب أو الكلاب أو القطط أو القوارض.
ومن بين تلك القمم الجبلية البعيدة مهوى القرط تبرز المدرجات في جنباتها كعروسة غجرية ترّجل شعرها وتجعل من الصخور العملاقة(الضياح)مرآة لها ،وتنتشر الأشجار المتنوعة والحشائش والعديد من الأعشاب العلاجية والعطرية بل والنادرة وتتشكل المدرجات بشكل هندسي مستدير حول التباب المختلفة أو كمتن حمار وحشي متموج الخطوط ، وتترتب أشجار القات صفوفاً صفوفا في تلك المدرجات فتظن أنهم رجالاً أستقاموا حول الكعبة للصلاة بل يخيل لك أنك في أدغال الغابات الأستوائية الإفريقية من كثافة الأشجار.
ولا نغفل أن هناك أنواعاً من الزواحف كالثعابين والسحليات وأنواعاً من الوزغ.
وتتدلى( الحرباء اليمنية المحجبة) فوق شجرة (الفرسك أو غيرها) متخفية لفريستها لتنال حظها من وجبة الإفطار.
وتنظر ل(الحرذون)-الذي يسميه الأهالي (عردانا)ً -يقوم بنشاط رياضي فوق صخرة القرية المرتفعة ليذكرك بلياقتك البدنية،وهناك العديد من الزواحف المختلفة.
وتتواجدالعديدمن الحشرات المتنوعة والعجيبة والغريبة.
بل هناك النحل البري الذي يتخذ من الجبال بيوتاً ولاتستطيع يد البشر من الوصول إليه حتى تتذوق شهده،
هذا التنوع الحيوي جعل (مشرعة وحدنان) رافداً حيوياً للبيئة النقية ومتنفساً لأهل المدينة.
وتزداد(مشرعة وحدنان) ادهاشاً بتلك القرى المعلقة في السماء كحجاج واقفين بعرفة مزدحمين بصعيده ثم تنحدر بيتاً بيتاً خلسةً الي أسفل الشعاب والوديان الضيقة فتظن أنه حآجاً استعجل النزول إلى مزدلفة للمبيت فيها،أو كعقدٍ من اللؤلؤ بعنق حسناء انقطع عقده فتطايرت جواهره.
وتبدو البيوت مبنية بأحجار زاهية الألوان كأنهن الياقوت والمرجان ذات طراز معماري فريد تشبه وتفوق جمالاً مدينة ( ماتشو بيتشو ) في البيرو إلا أنه لايوجد( هيرام بينعهام) ليكتشفها حتى تختار كعجيبة من عجائب الدنيا السبع الجديدة.
لنعود إلى تعز المدينة فإنها اتُخذت عاصمة لبعض الدول كالرسولية والأيوبية و سكن فيها العثمانيون بل وتفضيل الأمام أحمد لتعز بدلاً من صنعاء.
في حين نرى (توران شاه )أخ صلاح الدين الأيوبي يتخذ من تعز مقراً لحكم اليمن وجعل من جبل صبر مكاناً للإستشفاء والإستجمام لروعة مناخه وطيب هواه ، واتخذ قريةً من قرى صبر يتنزه فيها تسمى حالياً(بوران) بدلاً من(توران) تقع بين الموادم ومشرعة وحدنان مازالت تحمل اسمه إلى اليوم وجعل من منطقة (الجنات) ذات الغيول والعيون والجداول والغدائر والأشجار العملاقة والكثيفة حديقةً ومتنزهً له ولحاشيته.
ومازال هناك بقايا( سواقي)مبنية بالجبس (القضاض) يعتقد البعض أنها من عهد الأيوبين والرسولين والعثمانين وجددها الأئمة تشهد على أهمية (جبل صبر) وتبرز تلك السواقي كثعبان عملاق يتسلل بجسده الى حيث تواجد الغيول والعيون في (مشرعة وحدنان) ليشرب من منابعها الصافية والعذبة.
تلك السواقي كانت تزوّد منازل المدينة ومساجدها وقصور الأئمة ونوافرهم بالماء اللازم طوال العام.
وهناك بعض الشواهد التي تؤيد قيام نهضة زراعية ومعمارية في (مشرعة وحدنان) كوجود العديد من البرك والسدود المطلية بالجبس (القضاض) والذي حلَّ الأسمنت محله حالياً.
فهناك (سد مشرعة)الذي يعتقد بعض الأهالي أنه يعود لعهود قديمة والذي انطمر ثم أعيد تشيده مؤخراً.
ونتيجة لندرة المياة الجوفية فإن الأهالي -حالياً- يستفيدون من هطول الأمطار ببناء خزانات أرضية (سقاية)لتخزين مياة الأمطار واستخدامه في الشرب والزراع